ابنة قدمت كليتها لتنقذ حياة والدها الذي يعاني من قصور كلوي مزمن، ولكن قدره أن يموت بعد شهرين دون أن يسعد بهذه التضحية الغالية من ابنته، وسبب وفاته كما ادعى أهله أنه خطأ طبي أثناء العمل الجراحي.
عذاب جسدي كبير، وألم يتخطى حدود الاحتمال، ومعاناة نفسية مستمرة، والكآبة المحيطة بالعائلة لا تنتهي حتى تبدأ من جديد. كل ذلك جعل من أسرة العامل زهير أسرة متوترة حائرة، ماذا عساها أن تفعل ومواردها المادية محدودة، والمرض خطير ومميت والواجب لا يرحم... دُقّت جميع الأبواب... وانتظر زهير إجابات المحسنين والمتبرعين، ولكن الزمن طال والمعاناة في تصاعد... حتى كان الفرج من أعز وأقرب بناته إليه... إنها سماح ابنته الحنونة الأرملة التي قررت أن تتبرع بكليتها لوالدها الحبيب لتعيد إليه الابتسامة وكذلك الصفاء والراحة للعائلة... وسرعان ما جمعت الأموال اللازمة لإجراء العملية (نقل الكلى) في مشفى خاص... وتمت العملية بنجاح كما قال الأطباء وتم عزل المريض بعدها في غرفة خاصة خوفاً من الانتان، ولكن فرحة الأهل والأقرباء والأصدقاء وسعادتهم من أجله جعلتهم يتهافتون ويتسابقون إليه مباركين دون الالتزام بقواعد الزيارة والقواعد الصحيحة الصارمة لمثل هذه العمليات...
[size=9]فاضطر الأهل تحت هذه الضغوط ولاسيما الضغط المادي إلى عدم استمرار إقامته بالمشفى واستئجار منزل خاص له لاستقبال زواره... ولكن وضعه الصحي لم يستقر، ولا يوجد هناك علامات تشير بالتحسن بل العكس الأمور باتجاه الأسوأ... وهكذا وبعد شهرين توفي متأثراً بمرضه... ثارت ثائرة العائلة وصبت جام غضبها على المشفى والأطباء وادعت عليهم بأنهم أخطؤوا وقصروا بالعمل الجراحي ولم يعطوا المريض حقه من العناية حتى أنهم ذهبوا أكثر من ذلك باتهام المشفى والأطباء بأنهم لم يزرعوا له الكلية وفي أحسن الأمور زرعوا له كلية أخرى غير صالحة... شكل قاضي التحقيق خبرة طبية شرعية ثلاثية لدراسة الملف الطبي للمتوفى زهير: وبعد الدراسة والتدقيق تبين أنه حدث بعد العمل الجراحي رفض حاد للكلية المزروعة (وهو اختلاط طبي شائع يحدث بنسبة 20 للمرضى المتلقين لكلية قريب مع تطابق نسيجي ممتاز) وتم علاج هذا الأمر في حينه بالكورتيزون، بعد ذلك حدث للمريض انقطاع بول وتسرب بولي وأيضاً عولج في حينه بإدخال دعامة إلى الحالب... وفي الكشف الظاهري للجثة تبين وجود نمو فطري شديد على عيني المتوفى بشكل غلالة بيضاء وهذا ناتج عن مثبطات المناعة التي يتناولها مريض زرع الكلية للوقاية من رفض الكلية وقلة الرعاية الطبية الصحيحة للمريض التي لم تتوفر له في الشقة المستأجرة وعند تشريح الجثة تبين أن الكليتين الأصليتين للمتوفى موجودتان في مكانهما الطبيعي وضامرتان بسبب القصور الكلوي المزمن. وأن الكلية المزروعة موجودة في أسفل البطن خلف البرايتون وأن شريان الكلية المزروعة متفاغر مع الشريان الحرقفي وأنه سالك وأن وريد الكلية المزروعة متفاغر مع الوريد الحرقفي وهو سالك.
[size=9]وأن حالب الكلية المزروعة موصول مباشرة مع المثانة وبداخله دعامة طبية تبقيه مفتوحاً في مكان زرعه، ولكن الكلية المزروعة كانت مستسقية بشدة مع وجود قيح ودم حولها. وتم استئصالها وإرسالها إلى مختبر التشريح المرضي للتأكد من أنها كلية المتبرعة ابنة المتوفى، وأكد التقرير أن سبب الوفاة هو الإنتان الحادث الذي سبب فشل الكلية المزروعة وعدم تطبيق قواعد العزل الصارمة للوقاية من الإنتان... وتم تبرئة الأطباء حيث تبين أن استطباب الزرع واضح، وأنه الكلية قد زرعت فعلاً وأنها (بعد التحليل) كلية الأبنة المتبرعة وأن التكنيك الطبي صحيح ولكن المضاعفات التي حدثت مضاعفات طبية شائعة وتم علاجها بشكل صحيح...
[size=9]رحم الله هذا المتوفى والصبر والسلوان لأهله الذين غالوا بفرحتهم وابتعدوا عن القواعد الصحيحة التي يجب أن تكون صارمة في هذا الوضع، وتصرفوا بخجل لكي لا يجرحوا مشاعر الزوار والأصدقاء، وهذه هي النتيجة مأساة وفاجعة... والحري بنا جميعاً أن لا نخاف لومة لائم في الإصرار على تطبيق قواعد الصحة العامة والابتعاد عن الخجل والخوف والمسايرة لكي لا ينعكس ذلك ضرراً علينا ونصل إلى المثل القائل ومن الحب ما قتل.
[size=9]والعجيب في النهاية أن أحد أقرباء المتوفى سأل الطبيب الشرعي بعد أن تفهم النتيجة «هل يمكن إعادة الكلية المزروعة إلى صاحبتها المتبرعة؟!!»
[/size][/size][/size][/size]